رواية رائعة بقلم دعاء عبد الرحمن
المحتويات
الدكتور قال ايه
قالت بحزن
بيقول اكتئاب وهيعدى ان شاء الله ..أنا والله ما فاهمة يعنى أيه اكتئاب أصلا يا أستاذ فارس.. أنا اللى يهمنى أن بنتى تقوم زى الأول بس مش عارفة اعمل ايه
قال فارس بإشفاق
أكتئاب !!
ثم قال فى سرعة
لو سمحتى خلينى أكلمها
فرت دمعة من عينيها وقالت بأسى
ياريت يابنى.. دى لا بتاكل ولا بتتحرك ولا بتتكلم
طب حطى التليفون على ودنها وانا هكلمها يمكن تستجيب لكلامى
نظرت أم يحيى إلى بلال الذى كان يتحدث مع الطبيب الاخر ويحيى يقف معه يستمع لحديثهم فدخلت لغرفة مهرة وجدتها كما هى نائمة على الفراش تنظر لسقف الغرفة دون حراك أقتربت منها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت
ثم نقلت الهاتف على اذن مهرة أخذ فارس نفسا عميقا وقال بهدوء
مهرة
أنتفض جسدها الصغير بمجرد أن سمعت صوته وأخذ صدرها يعلو ويهبط فى سرعة وهى لا تزال محدقة فى سقف الغرفة وهو يقول ببطء
مالك يا مهرة .. أيه اللى تاعبك ..كلمينى علشان خاطرى ..أتكلمى يا مهرة
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقا على خديها وما أن ينقطع بها السبل حتى تغير مسارها لتروى وسادتها التى شاركتها لياليها الموحشة من قبل كلما تكلم كلما أراد أن لا يتوقف أبدا فظل ينادى عليها مرارا وتكرارا بتصميم
قال كلمته الأخيرة ووجد عبراته تقفز هى الأخرى على خديه وبدا صوته يشبه البكاء وهو يرجوها أن تتحدث أن تقول أى شىء خالطت دموعه دموعها ولكن عن بعد لم يراها ولم يسمع الا صوت شهقاتها التى بدأت فى الظهور أخيرا وهى تبكى . ولم تراه ولم تسمع الا نداءاته المختلطة بالبكاء وكأنه يعتذرعن شىء لا يعرفه أو لا يفهمه ...فقط يشعر به...
مهرة بټعيط بصوت عالى يا دكتور صوتها طلع
هتف يحيى بسعادة
بجد يا ماما اتكلمت يعنى
قالت من بين دموعها
لاء بس بټعيط بصوت عالى
أعطت أم يحيى الهاتف إلى بلال وهى تشكره قائلة
متشكره أوى يا دكتور بلال.. الأستاذ فارس أول لما كلمها ابتدت ټعيط وصوتها طلع أخيرا الحمد لله
ظلت قابعة خلف بابها تترقب خطواته ذات اليمين وذات الشمال حتى سمعته يكبر تكبيرة الأحرام ثم بدأ فى ترتيل الفاتحة فتيقنت أنه يصلى الفجر.
هنا فقط زفرت زفرة طويلة أخرجت فيها ما كان يجيش بصدرها
من خوف وقلق وړعبا فلو كان ينوى قټلها لما وقف يصلى هكذا
هوت بجسدها على الفراش وهى ټلعن اليوم الذى قابلت فيه باسم وټلعن اليوم الذى صدقت فيه كلماته وعباراته المطمئنة لها كم كانت حمقاء ساذجة كيف لمثلها أن تقع فيما وقعت فيه وبهذه السهولة.
وكيف اكتشف فارس فعلتها بهذه البساطة وهى كانت تعتقد أنه غر ليس لديه خبره لقد نسجت خيوطها جيدا فكيف رأى الحقيقة بهذا الوضوح ولكن الذى جعلها غاضبة حانقة أكثر هو كيف فشلت العملية رغم تأكيدات الطبيب أنها عادت لعذريتها كما كانت من قبل ولن يكتشفها أحد مهما كانت خبرته فى عالم النساء وضعت يدها على خدها تتلمس صڤعات فارس الموجعة فلازالت تشعر بخدر فى وجنتيها نتيجة لصفعاته المتتالية عادت إليها رهبتها منه مرة أخرى عندما سمعت صوت باب الشرفة يفتح عنوة نظرت من فتحة الباب مكان المفتاح فوجدته قد دخل الشرفة واسترخى على مقعدها وأغمض عينيه.
زفرت فى ارتياح وحنق وتأكدت من غلق الباب جيدا وعادت إلى فراشها وهى تتوعد باسم وتسبه باقذع الألفاظ وذهبت فى نوم عميق .
أستيقظت فزعة من نومها على صوت صفق باب الشقة بقوة جلست فى فراشها دقائق وبعد أن تأكدت من مغادرته الشقة فتحت الباب فى هدوء واتجهت للحمام مباشرة اغتسلت وعادت لغرفتها مرة أخرى لتغلقها عليها لتسكت الشعور بالخۏف بداخلها ولكنها لم تستطع أسكات الشعور بالجوع الذى مزق معدتها .
فتح الباب ودخل بدون سابق أنذار فسقطت الملعقة من يدها بمجرد أن سمعت صوت غلق الباب دخل عليها ونظر إلى الطعام أمامها ثم نظر إليها بعينين خاليتين من أى تعبير وقال ببرود
وكمان ليكى نفس تاكلى
أبتلعت ما كان فى جوفها وتجمدت مكانها كالتمثال وهى محدقة به تحاول استكشاف ما بداخله من خلال تعابير وجه وظلت قابعة مكانها تنتظر رد فعله تجاهها جلس أمامها حول المائدة وصوب بصره إليها بصرامة وقال
مش ناوية تقولى الحقيقة
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بجفاف حلقها وشحب وجهها و قالت بصوت خاڤت مرتعش
اللى قولتهولك امبارح هو ده الحقيقة كلها
أومأ برأسه بقوة ونظر إليها ببغض قائلا
وأنا مش مصدق حرف واحد منه ..لكن مع ذلك ...
صمت قليلا وتعلق بصرها به وخفق قلبها بقوة فقال
مع ذلك هستر عليكى ومش هفضحك ..لكن عمرى ما هسامحك وعمرك ما هتبقى مراتى
قفز قلبها من مكانها وهى تستمع له وقد تيقنت أنه لن يثأر منها ولن ېفضحها فعادت الډماء تضخ إلى مجرى وجهها مرة أخرى وهى تنظر له بترقب فنهض من أمامها واشار إليها قائلا
واعملى حسابك أمى مش هتعرف حاجة عن الموضوع ده
ثم نظر إليها باحتقار وهو يقول
مش عاوزها ټموت بحسرتها عليا
أستدار متوجها للخارج مرة أخرى ولكنها وقفت وقالت برجاء
أستنى يا فارس ارجوك صدقنى
أستدار إليها بنظرة مخيفة جعلتها تجلس مكانها ثانية بلا حراك وقد شعرت أن الهواء تجمد فى رئتيها فلا تستطيع التنفس أو حتى التألم فتح الباب وخرج مرة أخرى وهو يشعر بالأشمئزاز من المكان ومنها ومن نفسه .
خرج يمشى رويدا على الشاطىء ثم وقف واستدار للبحر نظر إلى سطحه محاولا الوصول لأعماقه ومعرفة أسراره متغلغلا بداخله بعقله واجما فى تلك المرأة التى أصبحت زوجته والتى لطخت شرفه وشعر أن مياه البحر تسخر منه وتؤنبه وأعماق البحر تتهكم عليه بل وتحاكمه كيف لم يكتشف شخصيتها من قبل كيف لم يرى جرأتها معه كيف خدع فيها إلى هذه الدرجة ! هل أحبها إلى أن طمست عيناه عن حقيقتها بكل خبرته ودراسته الطويلة واحتكاكه بالبشر لم يعرفها حق المعرفة بل كانت والدته المرأة الغير متعلمة التى لم تخرج من شارعهم مطلقا إلا للضرورة تعرفها أكثر منه ربما ليس بخبرتها ولكن بقلبها وأحساسها تجاه
متابعة القراءة